مسلسل بربروس .. هل ستسرق تركيا تاريخ الجزائر مثلما سرقت حاضرها طيلة 3 قرون ؟

 سأبدأ أولا بالإجابة على السؤال ثم أدخل في التفاصيل و سرد بعض الحقائق التاريخية ، نعم تركيا سوف تسرق تاريخ الجزائر و تاريخ الإخوة بربروس و تنسبه لها فقط ، سوف يقومون بتهميش الجزائر و دورها في صنع أسطورة الإخوة بربروس الشهيرة عالميا مع تعظيم الدولة العثمانية كما لو أنها صنعت لوحدها هاته الشخصيات التاريخية الكبيرة مهما اختلفنا حول حبنا أو كرهنا لهم . الإخوة الذين كانوا مجرد بحارة و قراصنة يونانيين محترفين يتقاضون مقابل بعض المهام الموكلة إليهم ليصبحوا أمراء في الجزائر و التي ألحقوها بالدولة العثمانية بطلب من الجزائريين أنفسهم .

ما يجعلني متأكدا من الأمر ليس مجرد توقعات أو تكهنات عشوائية ، بل السبب هو معرفتي التامة بطبيعة الإنسان التركي و نظرته الإستعلائية لكل دول المنطقة التي يرون أنها تقريبا مجرد مستعمرات عثمانية سابقة . يضاف لها المعالجة التاريخية غير المحايدة التي تتميز بها كل دول العالم الثالث و تركيا واحدة منها رغم أنها متقدمة اقتصاديا و حضاريا مقارنة بباقي دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا .

المسلسل الذي سيحمل إسم " أبناء بربروس .. سيف المتوسط " و الذي سيبدأ عرضه يوم 16 سبتمر 2021 على القناة الرسمية التركية الرسمية الأولى سيحمل حتما كثيرا من المغالطات التاريخية و سوف تحكمون بأنفسكم على هذا حلقة بعد حلقة .

لو تفتح كل المصادر التاريخية الغربية المحايدة من فرنسا إلى ألمانيا و بريطانيا وصولا إلى آيسلاندا البعيدة ستجد أن إسم الإخوة بربروس مرتبط أساسا بالجزائر ، أكبرهم عروج رايس أو بابا عروج مؤسس ما سيسمى لاحقا إمارة الجزائر العثمانية ، أشهرهم سلطان الجزائر خير الدين بربروس و الذي أصبح فيما بعد بايلارباي الجزائر بعدما طلب ضم الجزائر إلى الدولة العثمانية ، كذلك إلياس بربروس و أخيرا إسحاق بربروس أمير مدينة تنس الجزائرية التي تقع اليوم في ولاية شلف .

قبل الدخول في التفاصيل التاريخية المملة يجب التأكيد على نقطة أن الإخوة بربروس هم بحارة ( أو قراصنة مجاهدين ) يونانيين من مواليد جزيرة لبسوس اليونانية و لم تكن لهم أي علاقة " تبعية حقيقية " لتركيا ( الخلافة العثمانية ) إلا بعد أن صنعوا مجدهم في الجزائر و الحوض الغربي للبحر المتوسط ، بعد هذا تم إلحاق إمارة الجزائر بالدولة العثمانية تحت حكم خير الدين بربروس بطلب أعيان و علماء الجزائر للحصول على المساعدة الكافية من الخلافة لصد الهجمات الإسبانية ، العلاقة التي كانت تربط الإخوة بربروس بالباب العالي في إسطنبول قبل تأسيس إمارة الجزائر كانت مجرد علاقة مصلحة متبادلة باعتبارهم " قراصنة بحار " يتقاضون ثمنا مقابل مهام موكلة إليهم .

الإخوة بربروس .. من عائلة يونانية فقيرة إلى أمراء في الجزائر مرورا بجزيرة جربة التونسية 

ولدوا في عائلة مسيحية فقيرة في جزيرة لبسوس اليونانية ، أربعة إخوة و 3 أخوات . والدهم يعقوب Yakup كان سباهي في الجيش العثماني ( فرقة شبيهة بالإنكشارية ) استقر في جزيرة لبسوس و مارس مهنة صناعة الفخار و الخزف ، بعض المصادر تتحدث عن كون يعقوب مسلما من أصول تركية أو ألبانية في حين مصادر أخرى تتحدث عن أنه مسيحي يوناني اعتنق الإسلام . والدة الإخوة بربروس هي يونانية مسيحية تدعى كاتارينا ( كاتالينا ) .

الإخوة بربروس هم عروج و خير الدين و إلياس و إسحاق . قرر عروج ركوب البحر للخروج من دائرة الفقر التي كانت يعيش فيها مع عائلته . بعد وفاة والده عاد عروج إلى لبسوس و حمل معه إخوته الثلاثة و الذين سيعتنقون جميعا الإسلام خلال رحلاتهم في البحر الأبيض المتوسط .

حكم عروج الجزائر و بعده أخوه خير الدين ، ساهما رفقة إسحاق في تحرير المدن الجزائرية من الإحتلال الإسباني ثم صد الحملات الصليبية عنها ، كما شاركوا في إجلاء عشرات الآلاف من المسلمين و اليهود السافارديم من الأندلس و إيصالهم إلى شواطئ الجزائر بعدما عانوا من بطش حكام إسبانيا الجدد إيزابيلا و فيردناند بعد سقوط الأندلس سنة 1492 .

تجدر الإشارة إلى أن الإخوة بربروس كانوا يتخذون من جزيرة جربة التونسية مقرا لهم قبل أن يلتحقوا بالجزائر بطلب من أعيان وحكام بعض المدن الساحلية التي كانت تعاني من هجمات الإسبان ، أبرز هذه المدن الجزائرية هي جيجل و بجاية و دلس و الجزائر العاصمة و وهران .

عروج بربروس .. الأخ الأكبر و مؤسس إمارة الجزائر

بدأت مغامرة عروج الحقيقة في مدينة أنتاليا العثمانية ، حين حصل على 18 سفينة حربية من حاكم المدينة شاهزاد كوركود لمواجهة الحملات الصليبية التي كانت تلحق أضرار كبيرة بالأسطول العثماني شرق المتوسط . لاحقا أصبح شاهزاد حاكما لـ مانيسا و منح عروج 24 سفينة للمشاركة في الحملات العثمانية على إيطاليا إنطلاقا من ميناء إزمير التركي . بسبب خلافات على الحكم هرب الأمير شادزاد و هو شقيق السلطان العثماني إلى مصر التي كانت تحت الحكم المملوكي أنذاك و لحق به عروج الذي خشي أن يتعرض إلى العقاب بسبب قربه من الأمير الهارب .

في سنة 1503 أصبحت جزيرة جربة التونسية قاعدة و مقر لعروج بربروس ثم لحق بيه إخوته خير الدين و إسحاق و اتخذوا منها و من ميناء العاصمة تونس التي كانت تحت حكم الحفصيين مركزا لمهاجمة الشواطئ و المدن الإيطالية ، بعد حصولهم على موافقة سلطان تونس الحفصي أبو عبد الله محمد الخامس .

منذ سنة 1510 بدأ الإخوة بربروس في نسج علاقتهم التي ستكون كبيرة و مفصلية بالجزائر عبر جيجل و بجاية و العاصمة و وهران ، فقد شاركوا في صد الهجمات الإسبانية على بجاية سنة 1512 بطلب من أميرها المنفي ، حيث فقد عروج ذراعه الأيسر خلال حصار بجاية الشهير . في نفس السنة بدأوا في مهاجمة الشواطئ الإسبانية في البر الرئيسي لإيبيريا و كذا جزر الباليار مايوركا و مينوركا .

بعد حملاتهم على مدن إسبانية عديدة كفالنسيا و ألكانتي و مالقة و اغتنامهم للعديد من السنة الأوروبية ، إتخذوا من مدينة جيجل الجزائرية مركزا لهم و دمروا حصنين إسبانيين في مدينة بجاية الجزائرية سنة 1514 و طاردوا الإسبان حتى مدينة سبتة المغربية ثم عادوا لتحرير جيجل من حكم إمارة جنوة الإطالية .

في سنة 1516 نجح الإخوة بربروس في تحرير الجزائر العاصمة من يد الإسبان ثم سيطروا على العديد من المدن الجزائرية و و تسببوا في هرب أبو حمو موسى الثالث السلطان الزياني لتلمسان . كما قتل عروج السليم التومي حاكم الجزائر و وسع نفوذه إلى مدن عديدة بينها المدية و تنس و مليانة . ليواصل الإخوة بربروس حملاتهم على كالابريا الإيطالية سنة 1517 .

سنة 1517 سيطر عروج على مدينة تلمسان و قام بإعدام أبو زيان . أبو حمود أخر الورثاء الشرعيين لسلالة الزيانيين هرب إلى وهران و طلب الدعم من الإسبان . أرسل الملك الإسباني شارلوكان الدعم لأبو حمود لتحرير تلمسان من يد آل بربروس ، و بعد 10 أشهر من القتال عروج و إسحاق بربروس ، ليأخذ خير الدين و المتبقي الوحيد من العائلة عرش الجزائر و يصبح أميرا .

خير الدين بربروس .. سلطان الجزائر و أول بايلارباي 

خشي خير الدين بربروس سقوط إمارته الحديثة في يد الإسبان ، فطلب إلحاقها بالخلافة العثمانية تحت طلب علماء و أعيان الجزائر سنة 1519 . فأرسل السلطان سليم الأول 2000 جندي إنكشاري و 4000 متطوع تركي لحماية الجزائر . ليحمل لقلب البالارباي بدل السلطان .

الإتحاد الطوعي للجزائر مع الدولة العثمانية و قوة أسطولها البحري جعل العلاقة بين الإثنين متميزة للغاية و مختلفة عن باقي الولايات العثمانية ، الأمر الذي جعل من الجزائر " إمارة إمبراطورية " حسب توصيفات المؤرخين الغربيين و ليس مجرد ولاية تابعة للدولة العثمانية مثل باقي الولايات في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا .

دون الخوض في جدليات هل كانت الدولة العثمانية مجرد إستعمار أو دولة إتحادية تحت مسمى " الخلافة " الديني ، باستثناء تحرير الجزائر من الإسبان و الإيطاليين و صد الحملات الأوروبية و إنقاذ المسلمين و اليهود من إسبانيا و نقلهم إلى الجزائر ، فإنه بعد هذا ساهمت الدولة العثمانية في ركود علمي و حضاري كبير في الجزائر طيلة 3 قرون و اضطهاد شديد للجزائريين المحليين من طرف الحكام العثمانيين . في نطاق المدن و المناطق الخاصعة لهم و التي كانت في صراع مستمر و حروب كر و فر بين الجزائريين ضد العثمانيين لم تهدأ حتى دخول الفرنسيين .

الجزائر التي كانت تضم جامعات عريقة في بجاية و تيهرت ( تيارت ) و تلمسان درس فيها حتى كبار الشخصيات الأوروبية التي ساهمت في عصر النهضة هناك و أبرزهم ليوناردو دافنشي الذي درس في بجالة . أصبحت الجزائر بعد دخولها تحت اللواء العثماني مجرد ثكنة عسكرية و ميناء للعمليات البحرية مع تهميش كامل للعلوم و البنى التحتية ، و تميزت فترة الحكم تلك بالسلطوية الشديدة في حق الأهالي الجزائريين .

ثلاثة قرون ضبابية كانت نتيجتها المنطقية و الحتمية سقوط الجزائر العاصمة في يد فرنسا سنة 1830 و هروب الحكام العثمانيين . فوجد الجزائريون أنفسهم في مواجهة أقوى دولة و أكبر جيش في العالم ، مقاومة الشعب الجزائري التي استمرت 89 سنة كاملة حتى بسطت فرنسا حكمها على كامل التراب الجزائري بإخماد آخر مقاومة و هي مقاومة الطوارق التي انتهت سنة 1919 . الإستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة في الجزائر العاصمة .

يبقى الأكيد أن المسلسل التركي حول الإخوة بربروس سوف يسيل الكثير من الحبر في الجزائر و قد يفتح المجال لنقاش حقيقي حول طبيعة العلاقات بين الدولة العثمانية و الجزائر و يساهم في رفع الكثير من اللبس و نقاط الظل .

بقلم الكيمائي ..

إقرأ : المغرب و الجزائر .. تاريخ 60 سنة من العلاقات المتوترة و الحروب 

و أيضا : الحشاشون .. فرسان قلعة ألموت الذين نشروا الرعب في العالم الإسلامي

إقرأ هذا المقال : سقطرى .. الجزيرة التي سقطت من الفضاء ، لماذا هي أغرب مكان في الأرض ؟

و : ما هو الفرق بين الإتحاد الأوروبي و أوروبا و منطقة اليورو ؟

مدونة الكيميائي